دخلَ لبنان معركة استرجاع حقوق سيادته وتثبيتها براً وبحراً، بعد إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري وضع اتفاق الإطار بعد 10 سنوات من الاتصالات التي تولتها الولايات المتحدة الأميركية. يبدأ عصر التفاوض على الحدود البحرية والبرية المحتلة وهي عملية صعبة ومعقدّة خاصة أن واشنطن تستخِدم في الموازاة سيف العقوبات من أجل الضغط على لبنان فيما تعوّل إسرائيل على تنازلات لبنانية.
اتفاق الإطار، الذي كشف عنه بري، يرسم الطريق لانطلاق المفاوضات غير المباشرة مع العدو حول ترسيم الحدود البرّية والبحرية، استناداً إلى تفاهم نيسان، فالاجتماعات في مقرّ الأمم المتحدة، وتلازم المسارَين براً وبحراً بتوقيع الأطراف. فيما بات من المؤكد ممّا ورد على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري.
الإعلان عن الاتفاق يعني انتقاله من عهدة الرئيس بري إلى قيادة الجيش والحكومة ورئاسة الجمهورية، كما يقول مصدر نيابي لـ”أحوال” بحيث سيكون الجيش هو الطرف الممثل للبنان في المفاوضات، وسيرفع بدوره التقارير الى الرئاستين الأولى والثالثة للاطلاع على مسار التفاوض، من أجل اتخاذ القرارات في هذا الشأن. ويجد في هذه الخطوة بشارة للبنانيين حيث أن “لبنان يحتاج عائدات النفط والغاز، ولم يعد بإمكانه الإنفاق على موارد الطاقة، يدخل في تحديات جديدة مع انطلاق مفاوضات الترسيم”.
السيادة والحقوق
حفظ سيادة لبنان في قلب المفاوضات أكد عليها النائب فريد البستاني لـ”أحوال” معتبراً أن “إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري حول الاتفاق على إطار المفاوضات حول ترسيم الحدود الجنوبية بالتزامن بين البرية منها والبحرية، يشكل تطوراً إيجابياً على طريق البدء بعملية التنقيب جنوباً”.
وقال “إن هذا الإعلان مهم في مضمونه ولا سيّما في توقيته ويعيد الأمل للبنانيين بقرب الحل السياسي والانفراج الاقتصادي. وهناك مسؤولية وطنية خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي يتوجب من خلالها الحفاظ على سيادتنا وحقوقنا كاملة”.
بعد ١٠سنين مفاوضات و٤ سفراء ومساعد وزير وزيارة وزير خارجية أميركا يذهب لبنان إلى المفاوضات عبر فريق تقني يحفظ السيادة اللبنانية دون تقديم تنازلات عن أي شبر. كما يقول المصدر وهذا ما أكده بري بالقول “استضعفوا لبنان كثيراً واليوم لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته لا يستطيع أحد أن يهدّده وسنأخذ حقّنا وأكثر من حقّنا لا نريد”.
لبنان النفطي
الغاية من المفاوضات ستكون تثبيت حقوق لبنان النفطية وعمل شركات التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المحاذية للحدود الجنوبية، يصرّح الخبير النفطي مروان خداج لـ”أحول” ويقول أن هذه المنطقة واعدة لأن فيها مكامن كبيرة من الغاز الطبيعي”.
وفيما يرى البعض أنّ ترسيم الحدود هدية انتخابية لنتانياهو وترامب، وتطبيع خفي مع اسرائيل، يجد الخبير مروان خداج في البعد الاقتصادي أن “الاتفاق جداً إيجابي! والأمر هام جداً وله علاقة لاحقة بدور لبنان اللّاحق في تصدير غاز دول شرق البحر المتوسط. نادي الدول المنتجة للغاز: مصر- إسرائيل- فلسطين- قبرص-اليونان. وسيكون له علاقة ببناء أنابيب الغاز والذي تدعمه أوروبا وبشكل خاص فرنسا”.
ويتابع خداج أن إطار الاتفاق هو خطوة إيجابية ولكن لننتظر النتائج “فإذا نجح الترسيم، فهناك مجال كبير جداً، خصوصاً بالنسبة للبلوك 8 و9، أن يكون أحد أسباب سداد ديوننا”. وستكون الآثار الإقتصادية إنقاذية يستعيد لبنان فيها دوره في إطار حرب أنابيب الغاز العالمية الجارية اليوم”.
تمسّك لبنان بشروطه في ملف الترسيم، هو تمسّك بمساحة 863 كلم منطقة اقتصادية خالصة من حق لبنان والشعب اللّبناني، وقد أعطى الاتفاق التقني لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البِحار عام 2006 الحق للبنان في 1350 كلم داخل المياه الإقليمية للأراضي المحتلة.
لا تنازل
لا يمكن القبول بأيّ شروط لا تحقق مصلحة لبنان وسيادته على مياهه، وتخدم مصلحة إسرائيل. وموقف لبنان سبق أن تمّ إبلاغه للأميركيين وغيرهم بأن لا تنازل عن حبّة تراب من حدود لبنان البرية، ولا عن قطرة مياه في حدوده البحرية” يشدّد المصدر النيابي مؤكداً أن “أهمية هذا الإطار تكمن في أنه لا يسمح للعدو الإسرائيلي في فرض مفاوضات مباشرة يدرجه ضمن إطار التسويق لفكرة التطبيع في المستقبل، بينما فرض تلازم الترسيم مع رعاية دولية فيما يحفظ الحقوق الكاملة للبنان”.
لبنانياً، بعد تجاذب حول الملف حول المرجعية المناسبة لتسلم الملف بين الرئاسات الثلاث بات اليوم في عهدة المرجعية الدستورية رئيس الجمهورية وقيادة الجيش اللّبناني الأمر الذي أعلنه بري رسمياً. وتالياً سيتُم تسليم نسخة من الاتفاق إلى كل من رئيس الجمهورية والحكومة وقيادة الجيش، حتى يُصار إلى تشكيل فريق من الضباط والخبراء لتمثيل لبنان على طاولة المفاوضات.
الأفخاخ
من مفاعيل الاتفاق الإيجابية على المستوى الاقتصادي أنه سيفرض مناخاً إيجابياً وآمناً لعمل الشركات المنقبة عن النفط. فالترسيم يؤمن المنطقة بشكل يتيح للشركات العمل في النقاط المحاذية للحدود من دون مخاوف وقلق على الصعيد الأمني في البلوكات الحدودية.
لكن وبرغم ما يشيعه اتفاق الإطار من مناخ إيجابي في الداخل اللّبناني وعلى مستوى دولي فإن مسار الترسيم لن يكون مفروشاً بالأزهار بل تتربص به الأفخاخ بالعملية، لأن إسرائيل بطبيعتها لن تتوانى عن سياسة القضم والاقتطاع لتوسيع نطاقها الحدودي وإعطاء لبنان كامل حقه في المنطقة الإقتصادية من دون تحصيل أثمان أمنية وسياسية، مدعومةً من واشنطن المتعطشة لنشر صور طاولة المفاوضات في العالم لتضيفها إلى ألبوم صور ملفات التطبيع العربي الإسرائيلي التي أنجزت حتى اليوم.
ويقع النزاع اللّبناني الإسرائيلي على مثلث في البحر المتوسط تبلغ مساحته نحو 860 كيلومتراً مربعاً، ويُقسِّم تلك المنطقة إلى بلوكات عدة، أحدها البلوك النفطي رقم 9، وهي منطقة غنية بالنفط والغاز اكتُشفَت مخزوناتها من الطاقة عام 2009. وقد رفض لبنان في عام 2012 مقترحاً أميركياً يقوم على منح لبنان 360 كيلومتراً مربعاً من مياهه لإسرائيل، مقابل حصوله على ثلثي المنطقة الاقتصادية.
الرعاية الدولية لملف الترسيم يحظى بمباركة أممية حيث عبرت اليونيفيل “عن دعم أي اتفاق بين لبنان واسرائيل بما يعزز الثقة ويحفّز الأطراف على الالتزام مجدداً باحترام الخط الأزرق وعملية ترسيم الحدود الأوسع”. ولقيت ترحيباً رسمياً أميركياً عبّر عنه وزير الخارجية مايك بومبيو. أما إسرائيل التي سارعت إلى إعلان بدء المفاوضات منذ مدّة عبر إعلامها إلى أن أعلن رسمياً وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتز في بيانٍ، بعد مؤتمر بري أنّ “إسرائيل ولبنان سيجريان محادثات بوساطة أميركية، بشأن الحدود البحرية وتحت رعاية الأمم المتحدة”.
إذاً يبدأ لبنان اجتماعات في الناقورة برعاية أممية حول ترسيم الحدود مع إسرائيل لن يتنازل عن حقه وهناك اتفاق رسمي من القيادات والمراجع اللّبنانية برعاية الأمم المتحدة ومنسق شؤون لبنان، حدود الجنوب سيتم ترسيمها استناداً إلى التجربة الإيجابية الموجودة منذ تفاهم نيسان 1996 وبموجب القرار 1701 وفيما يخص الحدود البحرية سيتم عقد اجتماعات مستمرة برعاية المنسق الخاص للأمم المتحدة. هل يقطف لبنان ثمار هذا الاتفاق سياسياً بانفراج الأزمة الحكومية وانفتاح العالم على مساعدة لبنان؟ وهل يتمكن اللّبنانيون من الاستفادة من جني الأرباح الاقتصادية للتنقيب عن النفط الذي سيعقب عملية التفاوض؟ أسئلة كثيرة معلقة ستفرج عن أسرارها المرحلة المقبلة…
رانيا برو